اهلاً بالجميع.. إليكم قصة من قصصنا الملهمة كما ترويها أم أسماء ..

قصــة أسماء القحطاني

"سأروي لكم قصتي مع طفلتي "أسماء" التي لديها متلازمة داون والتي رزقني بها الله سبحانه وتعالى بعد سنوات من الشوق للحمل والإنجاب وصلت إلى العشرة سنوات، ولا أخفي عليكم بقدر الحزن الذي راودنا عند قدومها، الا أن لطف الله ورحمته بنا وبها جعلها بهجة حياتنا ومفتاح سعادتنا.

لقد بدأت القصة عندما تم ابلاغنا بنبأ الحمل بها وكان هذا الخبر من أجمل البشائر وخاصة أنه جاءنا بعد فترة طويلة من التوقف عن الحمل والإنجاب، فشوقنا للأطفال وقدومهم كان كبيرا جدا.

حيث أن "أسماء" لها أخت تكبرها بعشرة سنوات تقريباً وأخ يكبرها بإثنتي عشرة سنة.

وهذا الانقطاع الطويل عن الحمل والإنجاب جعل فرحتنا بها لا يمكن وصفها، وزادت فرحتنا وسرورنا عندما علمنا أن الحمل كان بتوأم من الأجنة وليس طفلا واحداً !

ولكن شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن أفقد أحدهما في شهور الحمل الأولى..

وفي الشهر الرابع من الحمل وبعد فحوصات الأشعة على الجنين المتبقي جاءنا التقرير الصادم الذي أخافنا وأربكنا، وهو أن الجنين لديه تشوهات في العمود الفقري وعظام الورك وتشوهات أخرى، وبدأت الاقتراحات علينا بضرورة إجهاض الجنين، والبعض يخبرنا بجواز ذلك شرعاً بسبب التشوهات التي لدى الجنين فوقعنا في حزن وتفكير لا ينقطع ولا يعلمه إلا الله سبحانه تعالى.

حتى جاء موعد عملية إجهاض الجنين، وحددوا موعد العملية وتم إدخالي غرفة العمليات ,

حضرت الطبيبة وقامت بإجراء الكشوفات بالأشعة على الجنين، قبل العملية، فإذا بها تقول لي "قومي الجنين ما في أي مشكلة والي مكتوب بالتقرير غير صحيح!".

وبدأت فرحتنا من جديد، وتابعت حملي مع الطبيبة نفسها وألغينا مواعيدنا مع الاستشاري الذي كان قد أبلغنا بتشوه الجنين.

ومرت شهور الحمل والفرح يملأ قلوبنا لطفلتنا التي ستأتينا بعد عشرة سنوات من الانتظار.

وفي منتصف الشهر الثامن عندما راجعت طبيبتي على موعد مسبق، وبعد الكشف قالت الدكتورة فوراً "على العمليات فوضع الجنين ووضعك ما يتحمل لازم تعملي عملية قيصرية" وفورا تم توجيهي لغرفة العمليات،

التخدير كان موضعي، وأول ما أخرجوها من بطني وقد كنت حاسة بهم، قلت لهم دعوني أشاهدها فقد كنت غير مطمئنة على إبنتي بعد كل الذي حصل معي ومعها.

ورأيتها مغمضة عينيها، وقد كانت مثل بدر في السماء لا أستطيع وصف جمالها الذي شاهدته، لدرجة أني شهقت وقلت ماشاء الله ...

ولكن فرحتي ما كانت إلا لحظات قصيرة جدا، فعندما فتحت عينيها، أبلغوني بأنها تعاني من متلازمة داون، وما كنت اعرف ماذا يعنون بمتلازمة داون، فقلت للدكتور يعني منغولية فلم يرد على سؤالي.

وأخذوا يغسلونها وأقول لهم "ليش ما تبكي ليش" وأكرر سؤالي دون أن يجيبوني ....

وما هي إلا لحظات حتى بدأت بالبكاء، ولكن ليس بالبكاء الذي عهدته بأطفالي السابقين عند ولادتهم.

وقال الدكتور أعطوها لأمها، وأخبرني أن " البنت تعبانة شوي خذيها وأحضنيها وسنأخذها بعد ذلك إلى الحضانة"

وبعدها دخلت بسبات ونوم عميق وكان الوقت العصر ومع التخدير نمت نوم عميق لا أعرف مدته.

ولكن دموعي كانت تنزل بدون ما أشعر.

ودخلت بعدها بحالة هستيرية من البكاء، وجاء زوجي وكان أقوى مني بكثير وإيمانه أكبر من إيماني وثبتني، وواساني، رغم أنني كنت أشاهد الحزن يملأ عينيه، و لكنه كان أكثر تماسكا و كان خائفا علي.

وبعد استيقاظي شعرت باشتياق لرؤية أبنتي وما زلت بروب العملية، فقلت سأذهب اليها لرؤيتها لأطمئن عليها وهي في الحضانة وقتها لم يكن لدي غرفة خاصة فأخذت شراشف من السرير ولففت بها نفسي، وغطيت رأسي بأحدها، وقلت يجب أن أذهب لرؤيتها. ولم أكن حينها أحس بألم العملية لأن آلامي التي بداخلي كانت أكبر من ألم وجرح العملية.

فوصلت لها ولأول مرة أشاهدها وأنبوب التغذية في انفها، كلمتها واعتذرت منها بشدة، وبكيت حتى أغرقت دموعي سريرها وأنا أقول لها سامحيني يا بنتي أنا السبب في انك أتيت على هذه الدنيا بهذا الحال، والمجتمع ما يتقبلك ولكن أعدك أنك ستكونين بقلبي ماحييت وستكونين روحي التي يحيا بها جسدي.

ووعدت "أسماء" أمام الله ان تبقى في قلبي ما حييت.

وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يعينني ويعطيني القدرة والهمة أن أوفى بوعدي معها وأن أوفر لها كل فرص النمو والتطور والتقبل. والحمد لله بنتي الآن أتمّت السبعة سنوات من عمرها وهي الآن الهواء الذي أتنفسه وهي قلبي وروحي وهي عندي أغلى من في الوجود.

سبع سنوات ووجود "أسماء" في حياتنا ما زادنا إلا قوة واصرار وصبر والحمد لله.

ووجودها بيننا ما زادنا إلا سعادة وحياة وحركة وألفة ومحبة.

والحمد لله، لم تتغير علاقتي بزوجي إلا للأفضل، على الرغم ما نواجهه من صعاب في كل شيء،

من طب وتعليم وتأهيل وغير ذلك إلا ان كل ذلك كان يهون في سبيل حُب طفلتي "أسماء".